يروج في سوق دورات تنمية الذات برنامج جديد يزعم القائمون عليه بأنه يخدم الإنسان في تحقيق طموحاته وأمانيه والتي عجز عن تحقيقها بسلوكه الإعتيادي الذي نشأ عليه.. ولا شك أن الدورات التدريبية والتي تقوم على تنمية الفرد وتهذيب أفكاره وإرشاده إلى حسن التدبير لها دور بارز وقوي في تحقيق النجاح لكثير من الناس ولو كان ذلك النجاح نسبياً عند البعض.
لكن ما ينبغي علينا أن نراعيه في تأييد أو نقد هذه الدورات المنتشرة اليوم في عالمنا لاسيما في منطقتنا الخليجية هو أن نميز بين تلك الدورات التي تدعو إلى تنظيم حياتنا اليومية وحسن إستغلال الوقت وطرق حل الإشكالات التي تصادفنا في معترك الحياة، وبين التي تدعو إلى تجاوز الإنسان الخطوط الحمراء غير المسموح تجاوزها شرعاً.. ومن تلك الدورات التي تطرح على عامة الناس وخاصتهم ما يسمي بقانون الجذب.
وفي الحقيقة أننا لا نستطيع أن نحكم على هذه المعلومات والتي يقوم المدربون من خلال تلك الدورات بتلقينها المتدربين لديهم إلا من خلال البحث عن أصولها التاريخية -إن كانت ذات تاريخ- أو إثباتاتها العلمية أو ممارساتها العملية.
فقمت بالبحث عن ما وراء هذه العناوين البراقة والتي تبرز عادة في صدر كل إعلان عن عقد دورة من تلك الدورات ذات الصلة بهذا القانون، وقمت بمقابلة بعض المدربين لـ قانون الجذب، ولم أكتف بذلك بل أرشدني بعض المختصين أن هناك فلماً وثائيقاً أطلق عليه اسم السر صدر يؤصل قانون الجذب ويشرح مفهومه وأبعاده من غير تحفظ، وفي الحقيقة أن هذا ما كنت أبحث عنه فحرصت كل الحرص على هذا الفيلم الوثائقي.
فوجدته يباع بثمن باهظ بالمقارنة مع باقي الأفلام الوثائقية فقد كان سعره قرابة الـ 50 دولاراً ومن حسن الحظ أن أحد الإخوة تبرع مشكوراً بأن يأتيني بنسخة مترجمة لديه فقبلت هذا العرض السخي دون تردد وسارعت لمشاهدته مُوثّقاً لكل عبارة تخرج من في المحاضرين فيه.
ولا أخفيكم سرا إن قلت لكم أن هذا الفلم أشبه ما يكون بفلم خيالي فاشل!! يروي قصصا في غاية السخف فأحدهم كان يتذمر من كثرة الفواتير التي تتزاحم على صندوق بريده مطالبة بسرعة السداد وما إن طبق هذا القانون حتى تبدلت تلك الفواتير بشيكات مالية!!، وآخر كان يحلم بمئات الألوف فما كان منه إلا أن طبق القانون فجاءه فجأة عرض من صحفية لطباعة كتيِّبه بمقابل مئة ألف دولار.. الخ وبقدر ما كان هذا الفيلم سخيفاً فقد كان خطيرا في نفس الوقت أتدرون لماذا؟
يقولون بزعمهم أن الأقدار تسبح في هذا الكون الفسيح منها ما هو سبب في سعادتنا ومنها ما هو سبب في أحزاننا!!.
وأن الإنسان عبارة عن خلايا مترابطة وكل خلية تحتوى على طاقة وكل خلية تربطها مع الخلية الملازمة لها طاقة وأن الإنسان تنطلق منه طاقة عظيمة إذا ما تفاعلت هذه الملايين من الخلايا في لحظة واحدة عند إرادة الشخص شيئاً ما إرادة جازمة- كما سيأتي بيانه- كما لو تمنى مثلاً وظيفة مرموقة في إحدى الشركات العالمية وإنطلقت منه الطاقة اللازمة من بدنه في هذا الكون فستصادف ذلك القدر الذي يسبح في هذا الكون فتنتظم حياة مطلق الطاقة لتسلك مساراً يتناغم مع تحقيق هذا الهدف من غير بذل أي مجهود أو عمل منه بتاتاً في تحقيق هذا الهدف وأنا أعني ما أقول، وهذا ما يمليه سدنته الغربيون، إنما المجهود المطلوب من المتمني هو قبل إطلاق الطاقة أن يحث النفس على إطلاق أكبر طاقة ممكنة لتسريع وجذب القدر الأكبر من الحلم المنشود!!
فسلكوا عدة سبل في إطلاق هذه الطاقة ولكن غالبيتهم قالوا ينبغي على مطلق الطاقة تحقيق شروط معينة منها:
أ ـ أن يعتقد في نفسه على وجه اليقين أن ما يتمناه حصل فعلاً فلا يقول أنا أريد تلك الوظيفة بل يقول: \إنه يملك هذه الوظيفة\ بمعني أن يعيش جو حصوله على الوظيفة كما يقال يعيش الدور بأنه موظف في تلك الوظيفة المرموقة.
ب ـ أن يكتب بصيغة الحاضر عبارة تفيد بأنه موظف في الجهة المعينة واحد وعشرون مره كل يوم ولمدة أربعة عشر يوماً كأن يكتب: أنا موظف في الشركة الفلانية ولا يكتب: أنا سأتوظف...
وليس بالضرورة أن تكون وظيفة فقد تطلق طاقة تطلب فيها من المال الشيء العظيم أو تطلب سيارة أو زوجة أو... إلخ وما على الأقدار إلا أن تجيب.. إلخ من هذه الشروط الغريبة وخلال هذه المدة أو بعدها ستنطلق تلك الطاقة في الكون ولا يدري متى ستأتي بذلك القدر فقد يكون بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة -زعموا.
الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان وهو مراد الله في خلقه ولا يعلمه إلا هو عز وجل، ولذلك أرسل المرسلين تفهمنا الطرق المشروعة والتي تكون سببا في جلب الخير لنا ودفع الشر عنا، فشرّع لنا الدعاء وبذل الصدقة والتوبة والإنابة إليه بالإضافة إلى بذل الأسباب في جلب الرزق... الخ.
ولا أظن أن هناك حاجة لسرد الآيات والأحاديث والتي تثبت بأن الأقدار والأرزاق يصرفها الله تعالى كيفما يشاء بخلاف ما يزعمه هذا القانون الباطل والذي فيه من الافتئات على سلطان الله عز وجل ما فيه وهناك ردود كثيرة لا أقول من كتاب المسلمين فحسب بل من الغربيين والأكاديميين منهم خاصة على هذه الخزعبلات، والقارئ الحصيف يلفت نظره أن لب هذه الفكرة لا يخرج عن دائرة التصوف المذموم في تاريخنا الإسلامي حيث اتخذوا من التوكل على الله عز وجل حجة في ترك العمل وبذل السبب في البحث عن مصادر الرزق، بل إن التصوف المذموم أفضل حالا من هذا القانون حيث أن أهل التصوف المذموم ينسبون القدر للرب بينما هؤلاء لا يعرفون من هو رب القدر!.
ففكرة هذا القانون الساقط مشتقة من أفكار قديمة بالية ومن كتب هجرها الناس ومعتقدات قليل اليوم من يتلبس بها فهي خليط من سلوك بعض المتصوفة الشاذ بالإضافة إلى معنى الحلول والإتحاد حيث الكون هو مصدر القدر وبعض الديانات الهندية القديمة.. الخ فجمعت في وعاء واحد وأخرجت إخراج جديد بأسلوب عصري يتناسب مع لغة الحوار في القرن الواحد والعشرين.
لكن ما يثير الدهشة أن النسخة العربية لقانون الجذب حرفت وبدلت لتترجم إنحراف وجشع كثير من المدربين له فهم بين فريقين فريق يؤمن به ولا يظهر مراد منظري هذا القانون لعامة الناس خوفا من إتهامهم له.
وفريق عرف ببطلانه لكن ركب موجة القبول عليه طمعاً في المال فقاموا بتطبيق تلك الخطوات السابقة تماما، وأضافوا تخريجاً شرعياً لها ستارا لعيوبها وليقبلها عوام الناس.
فقالوا: بعد تطبيق تلك الخطوات السابقة بنبغي أن تقوم أيها المتدرب بصلاة الاستخارة ومن ثم الإستشارة وعمل برنامج لتحقيق الهدف.
والذي يعرف أصول هذه الفكرة يعرف بأن هذا تدليس وتلبيس على عامة الناس وهم بمثابة الساحر الذي يعمد إلى عقد سحره بطلسماته وما أن ينتهي حتى يقوم بإسماع المسترقي {قل هو الله أحد..} وآية الكرسي ليثبت أنه فعله شرعي، لأنه في إعتقاد هذا المدرب أن الطاقة التي ستجلب لك القدر بعد 14 يوماً قد انطلقت فما تعمله بعدها فلا قيمته له أصلاً غير إرضاء المتدرب دينياً، والجميل في الغربيين أنهم صرحاء في طرح أفكارهم صرحاء في مناقشتها بينما المترجمون للأفكار الغربية من العرب نجد -وللأسف- أن الخداع والإلتفاف أسلوبهم الأمثل في طرح أفكارهم.
ومن المضحكات أنهم يحتجون بآيات وأحاديث تثبت بزعمهم أنها تؤيد ما ذهبوا إليه ومن ذلك إستشهادهم بأن الله يقول في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي...».
وإن كان فريقا من شراح الحديث ذهب إلى إن المقصود من الحديث هو إحسان الظن بالله تعالى عند الموت لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدٌ منكم إلا وهو حسن الظن بالله تعالى».
ولكن لنسلم أن ذلك في الحياة عموما فنقول: إن منظري هذا القانون لا يقولون بحسن الظن بالله بل بحسب قوة الطاقة التي تنطلق من البدن في هذا الكون لجلب الحظ الحسن المتولدة من قوة الإاعتقاد بوقوع المراد، يقول أحد منظري هذا القانون: بأن ما تتمناه سيأتيك ولو سألت من الذي أرسله لي فصاحب اللاهوت سيقول الرب والفيزيائي سيقول الطاقة وكل سيصرف القدر لما يؤمن به ونحن نقول -أي منظري قانون الجذب- لا يهم هذا أم ذاك ولا تشغل بالك في ذلك والمهم أنه ما تتمناه أتاك.. انتهى بتصرف. هذا أولا.
ثانيا: من أين لكم أن إستخدام الطاقة المزعومة مجلبة للقدر المرغوب به أو غير المرغوب به؟ ومن قال لكم أن مجرد حسن الظن بالله تعالى -في رزق معين- من غير سعي مجلبة له؟
يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى معلقا على من إحتج على ترك العمل بحديث: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا»، فما هذا إلا كلام صحيح مقبول الظاهر في القلوب فإعلم أن الشيطان لا يغوي الإنسان إلا بكلام مقبول الظاهر مردود الباطن ولولا حسن ظاهره لما إنخدعت به القلوب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عن ذلك فقال: «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله».
ثالثا: من الذي قال أن مفهوم الحديث ينطبق مع هذا القانون المزعوم فمفهوم الخيرة الشرعي لا يرتبط مع المراد الشخصي فقد يمنع الله عز وجل ما يريده العبد من مال أو جاه أو غير ذلك كون حصوله عليه يشكل له فتنة مثلا في دينه أو شرا لم يحسب له حساب، بينما هذا القانون الجائر لا يميز بين ما هو خيرة وبين ما هو شر للإنسان، بل كل ما تتمناه سيأتيك وأنت تتحمل العواقب!!
وأخيرا أقول: إن بين يدي الدجال سنين خداعات فالحذر كل الحذر من هذه الدورات المشبوهة، والتي تطعن في أصل الإعتقاد وينبغي علينا أن نعلم أن الإنفتاح على الآخر لابد وأن يكون منضبطاً بضوابطنا الشرعية والتي أُمرنا بها، وأن ديننا خير منهج ودليل في تحقيق مصالحنا، وأن جلب الأرزاق أو صرف المكروه بيد الله، ولا يمكن لشخص جلب ما يريد أو صرف ما يكره إلا بمراد الله، وقد وضح لنا الإسلام سبيل ذلك فشرع لنا الصلاة والدعاء والإستغفار والصدقة والعمل والتوكل على الله عز وجل.
ولا يفتأ أهل الضلالة في صدِّكم عن دينكم ما استطاعوا، فلديهم من الشبهات ما يثيرون وساوس الفكر وسيئ الأوهام، مما تجعل الإنسان العامي في لبس من أمره بل وبعض طلبة العلم أيضا!!
ولقد ضربت صفحا عنها لطول الرد عليها، ولكثرة النصوص فيها لكن يجمل الرد عليهم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران:7].
الكاتب: تركي العبدلي.
المصدر: موقع ياله من دين.